فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (5):

{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)}
{فاصبر صَبْرًا جَمِيلًا} متفرع على قوله تعالى: {سأل سائل} [المعارج: 1] ومتعلق به تعلقًا معنويًا لأن السؤال كان عن استهزاء وتعنت وتكذيب بناء على أن السائل النضر وأضرابه وذلك مما يضجره عليه الصلاة والسلام أو كان عن تضجر واستبطاء للنصر بناء على أنه صلى الله عليه وسلم هو السائل فكأنه قيل فاصبر ولا تستعجل فإن الموعود كائن لا محالة والمعنى على هذا أيضًا على قراءة من قرأ سأل سائل من السيلان كقراءة سال سيل ولا يظهر تفرعه على سأل من السؤال إن كان السائل نوحًا عليه السلام والصبر الجميل على ما أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس ما لا شكوى فيه إلى أحد غير الله تعالى وأخرج عن عبد الأعلى بن الحجاج أنه ما يكون معه صاحب المصيبة في القوم بحيث لا يدري من هو.

.تفسير الآية رقم (6):

{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)}
{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ} أي العذاب الواقع أو اليوم المذكور في قوله تعالى: {في يوم كان مقداره} [المعارج: 4] إلخ بناء على أن المراد به يوم الحساب متعلقًا بتعرج على ما سمعت أولًا أو بدافع أو بواقع أو بسال من السيلان أو يوم القيامة المدلول عليه بواقع على وجه فما يدل عليه كلام الكشاف من تخصيص عود الضمير إلى يوم القيامة بما إذا كان {في يوم} [المعارج: 4] متعلقًا بواقع فيه بحث ومعنى يرونه يعتقدونه {بَعِيدًا} أي من الإمكان والمراد أنهم يعتقدون أنه محال أو من الوقوع والمراد أنهم يعتقدون أنه لا يقع أصلًا وإن كان ممكنًا ذاتًا وكلام كفار أهل مكة بالنسبة إلى يوم القيامة والحساب محتمل للأمرين بل را تسمعهم يتكلمون بما يكاد يشعر بوقوعه حيث يزعمون أن آلهتهم تشفع لهم فهم متلونون في أمره تلون الحرباء والعذاب إن أريد به عذاب يوم القيامة فهو كيوم القيامة عندهم أوانه لا يقع بالنسبة إليهم مطقلًا لزعمهم دفع آلهتهم إياه عنهم وإن أريد به عذاب الدنيا فالظاهر أنهم لا ينفون إمكانه وإنما ينفون وقوعه ولا تكاد تتم دعوى أنهم ينفون إمكانه الذاتي.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)}
{وَنَرَاهُ قَرِيبًا} أي من الإمكان والتعبير به للمشاكلة كما قيل بها في نراه إذ هو ممكن ولا معنى لوصف الممكن بالقرب من الإمكان لدخوله في حيزه والمراد وصفه بالإمكان أي ونراه ممكنًا وهذا على التقدير الأول في {يرونه بعيدا} [المعارج: 6] أو نراه قريبًا من الوقوع وهذا على التقدير الثاني فيه وقد يقال كذلك على الأول أيضًا على معنى أنهم يرونه بعيدًا من الإمكان ونحن نراه قريبًا من الوقوع فضلًا عن الإمكان ولعله أولى من تقدير الإمكان في الجملتين وجملة أنهم إلخ تعليل للأمر بالصبر وقيل إن كان المستعجل هو النضر وأضرابه فهي مستأنفة بيانًا لشبهة استهزائهم وجوابًا عنه وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم فهي تعليل لما ضمن الأمر بالصبر من ترك الاستعجال بأن رؤيتنا ذلك قريبًا توجب الوثوق وترك الاستعجال وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (8):

{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)}
{يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} قيل متعلق بقريبًا أو ضمر يدل عليهي {واقع} [المعارج: 1] وهو يقع أو بدل عن {في يوم} [المعارج: 4] إن علل به دون تعرج والنصب باعتبار أن محل الجار والمجرور ذلك إذ ليس بدلًا عن المجرور وحده فاشتراط أبي حيان لمراعاة المحل كون الجار زائدًا أو شبهه كرب غير صحيح ولا يحتاج تصحيح البدلية إلى التزام كون حركة يوم بنائية بناء على مذهب الكوفيين المجوزين لذلك وإن أضيف لمعرب وذكر أنه على هذه التقادير الثلاث المراد بالعذاب عذاب القيامة وأما إذا أريد عذاب الدنيا فيتعين أن يكون التقدير يوم تكون السماء يكون كيت وكيت وكأنهم لما استعجلوا العذاب أجيبوا بازف الوقوع ثم قيل ليهن ذلك في جنب ما أعد لكم يوم تكون السماء كالمهل فحينئذ يكون العذاب الذي هو العذاب ثم لا يخفى أن البدلية ممكنة على تقدير تعلق في يوم بتعرج أيضًا بناء على أن المراد به يوم القيامة أيضًا كما قدمنا وأن الأولى عند تعلقه بقريبًا أن لا يراد من القرب من الإمكان الإمكان الذاتي لما في تقييده باليوم نوع إيهام وأن ضميري يرونه ونراه إذا كانا ليوم القيامة يلزم وقوع الزمان في الزمان في قولنا يقع يوم القيامة يوم تكون كالمهل ويجاب بما لا يخفى وجوز في البحر كونه بدلًا من ضمير نراه إذا كان عائدًا على يوم القيامة وفي الارشاد كونه متعلقًا بليس له دافع وبعضهم كونه مفعولًا به لا ذكر محذوفًا وتعلقه بنراه كما قاله مكي لا نراه وكذا تعلقه بيبصرونهم كما حكاه ومثله ما عسى أن يقال متعلقه بيود الآتي بعد فتأمل والمهل أخرج أحمد والضياء في المختارة وغيرهما عن ابن عباس أنه دردي الزيت وهو ما يكون في قعره وقال غير واحد المهل ما أذيب على مهل من الفلزات والمراد يوم تكون السماء واهية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية أن السماء الآن خضراء وأنها تحول يوم القيامة لونًا آخر إلى الحمرة.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)}
{وَتَكُونُ الجبال كالعهن} كالصوف دون تقييد أو الأحمر أو المصبوغ ألوانًا أقوال واختار جمع الأخير وذلك لاختلاف ألوان الجبال فمنها جدد بيض وحمر وغرابيب سود فإذا بست وطيرت في الجو اشبهت العهن أي المنفوش كما في القارعة إذا طيرته الريح وعن الحسن تسير الجبال مع الرياح ثم ينهد ثم تصير كالعهن ثم تنسف فتصير هباء.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)}
{وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} أي لا يسأل قريب مشفق قريبًا مشفقًا عن حاله ولا يكلمه لابتلاء كل منهم بما يشغله عن ذلك أخرجه ابن المنذر وعبد بن حميد عن قتادة وفي رواية أخرى عنه لا يسأله عن حاله لأنها ظاهرة وقيل لا يسأله أن يحمل عنه من أوزاره شيئًا ليأسه عن ذلك وقيل لا يسأله شفاعة وفي البحر لا يسأله نصره ولا منفعته لعلمه أنه لا يجد ذلك عنده ولعل الأول أبلغ في التهويل وأيًا ما كان فمفعول يسأل الثاني محذوف وقيل حميمًا منصوب بنزع الخافض أي لا يسأل حميم عن حميم وقرأ أبو حيوة وشيبة وأبو جعفر والبزي بخلاف عن ثلاثتهم ولا يسأل مبنيًا للمفعول أي لا يطلب من حميم حميم ولا يكلف إحضاره أو لا يسأل منه حاله وقيل لا يسأل ذنوب حميمه ليؤخذ بها.

.تفسير الآية رقم (11):

{يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)}
{يُبَصَّرُونَهُمْ} أي يبصر الإحماء الاحماء فلا يخفون عليهم وما يمنعهم من التساؤل إلا اشتغالهم بحال أنفسهم وقيل ما يغني عنه من مشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده ولا يخفى حاله ويبصرونهم قيل من بصرته بالشيء إذا أوضحته له حتى يبصره ثم ضمن معنى التعريف أو حذف الصلة أيضًا لا وجمع الضميرين لعموم الحميم والجملة استئناف كأنه لما قيل لا يسأل إلخ قيل لعله لا يبصره فقيل يبصرونهم وجوز أن تكون صفة أي حميمًا مبصرين معرفين إياهم وأن تكون حالًا أما من الفاعل أو من المفعول أو من كليهما ولا يضر التنكير لمكان العموم وهو مسوغ للحالية ورجحت على الوصفية بأن التقييد بالوصف في مقام الإطلاق والتعميم غير مناسب وليس فيها ذلك فلا تغفل وقرأ قتادة يبصرونهم مخففًا مع كسر الصاد أي يشاهدونهم {يَوَدُّ المجرم} أي يتمنى الكافر وقيل كل مذنب وقوله تعالى: {لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} أي العذاب الذي ابتلى به يومئذ {بِبَنِيهِ}.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)}
{وصاحبته وَأَخِيهِ} حكاية لودادتهم ولو في معنى التمني وقيل هي نزلة أن الناصبة فلا يكون لها جواب وينسبك منها ومما بعدها مصدر يقع مفعولًا ليود والتقدير يود افتداءه ببنيه إلخ والجملة استئناف لبيان أن إشغال كل مجرم بنفسه بلغ إلى حيث يتمنى أن يفتدي بأقرب الناس إليه وأعلقهم بقلبه فضلًا أن يهتم بحاله ويسأل عنها وجوز أن تكون حالًا من ضمير الفاعل على فرض أن يكون هو السائل فإن فرض أن السائل المفعول فهي حال من ضميره وقيل الظاهر جعلها حالًا من ضمير الفاعل لأنه المتمني وأيًا ما كان فالمراد يود المجرم منهم وقرأ نافع والكسائي كما في أنوار التنزيل والأعرج يومئذ بالفتح على البناء للإضافة إلى غير متمكن وقرأ أبو حيوة كذلك وبتنوين عذاب فيومئذ حينئذ منصوب بعذاب لأنه في معنى تعذيب.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)}
{وَفَصِيلَتِهِ} أي عشيرته الأقربين الذين فصل عنهم كما ذكره غير واحد ولعله أولى من قول الراغب عشيرته المنفصلة عنه وقال ثعلب فصيلته آباؤه الأدنون وفسر أبو عبيدة الفصيلة بالفخذ {التى} أي تضمه انتماء إليها أو لياذًا بها في النوائب.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)}
{تُوِيهِ وَمَن فِي الأرض جَمِيعًا} من الثقلين الإنس والجن أو الخلائق الشاملة لهم ولغيرهم ومن للتغليب {ثُمَّ يُنجِيهِ} عطف على يفتدي والضمير المرفوع للمصدر الذي في ضمن الفعل أي يود لو {يفتدي} ثم لو ينجيه الافتداء وجوز أبو حيان عود الضمير إلى المذكور والزمخشري عوده إلى من في الأرض ثم الاستبعاد الانجاء يعني يتمنى لو كان هؤلاء جميعًا تحت يده وبذلهم في فداء نفسه ثم ينجيه ذلك وهيهات وقرأ الزهري تؤويه وينجيه بضم الهائين.

.تفسير الآية رقم (15):

{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)}
{كَلاَّ} ردع للمجرم عن الودادة وتصريح بامتناع الانجاء وضمير {أَنَّهَا} للنار المدلول عليها بذكر العذاب وقوله تعالى: {لظى} خبر إن وهي علم لجهنم أو للدركة الثانية من دركاتها منقول من اللظى عنى اللهب الخالص ومنع الصرف للعلمية والتأنيث وجوز أن يراد اللهب على المبالغة كان كلها لهب خالص وحذف التنوين إما لإجراء الوصل مجرى الوقف أو لأنه علم جنس معدول عما فيه اللام كسحر إذا أردت سحرًا بعينه وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (16):

{نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)}
{نَزَّاعَةً للشوى} أي الأطراف كاليد والرجل كما أخرجه ابن المنذر وابن حميد عن مجاهد وأبي صالح وقاله الراغب وغيره وقيل الأعضاء التي ليست قتل ولذا يقال رمى فاشوى إذا لم يقتل أو جمع شواة وهي جلدة الرأس وأنشدوا قول الأعشى:
قتيلة ماله ** قد جللت شيبًا شواته

وروى هذا عن ابن عباس وقتادة وقرة بن خالد وابن جبير وأخرجه ابن أبي شيبة عن مجاهد وأخرج هو عن أبي صالح والسدي تفسيرها بلحم الساقين وعن ابن جبير العصب والعقب وعن أبي العالية محاسن الوجه وفسر نزعها لذلك بأكلها له فتأكله ثم يعود وهكذا نصب بتقدير أعني أو أخص وهو مراد من قال نصب على الاختصاص للتهويل وجوز أن يكون حالًا والعامل فيها لظى وإن كان علمًا لما فيه من معنى التلظي كما عمل العلم في الظرف في قوله:
أنا أبو المنهال بعض الأحيان

أي المشهور بعض الأحيان قاله أبو حبان وإليه يشير كلام الكشف وقال الخفاجي لظى عنى متلظية والحال من الضمير المستتر فيها لا منها بالمعنى السابق لأنها نكرة أو خبر وفي مجيء الحال من مثله ما فيه وقيل هو حال مؤكدة كما في قوله:
أنا ابن دارة معروفًا بها نسبى ** وهل بدارة يا للناس من عار

والعامل أحقه أو الخبر لتأويله سمى أو المبتدأ لتضمنه معنى التنبيه أو معنى الجملة وارتضاء الرضى وقيل حال من ضمير {تدعوا} قدم عليه وجوز الزمخشري أن يكون ضمير أنها مبهمًا ترجم عنه الخبر أعني {لظى} وبحث فيه بما رده المحققون وقرأ الأكثرون {نَزَّاعَةً} بالرفع على أنه خبر ثان {لاِنْ} أو صفة لـ {لظى} وهو ظاهر على اعتبار كونها نكرة وكذا على كونها علم جنس لأنه كالمعرف بلام الجنس في إجرائه مجرى النكرة أو هو الخبر و{لظى} بدل من الضمير وإن اعتبرت نكرة بناء على أن إبدال النكرة غير منعوتة من المعرفة قد أجازه أبو علي وغيره من النحاة إذا تضمن فائدة كما هنا وجوز على هذه القراءة أن يكون ضمير أنها للقصة و{لظى} مبتدأ بناء على أنه معرفة و{نَزَّاعَةً} خبره وقوله تعالى: